المرزوقي.. لماذا يسمونه طرطور؟ بقلم أنيس منصوري

مدونة "الثورة نيوز": نص المقال - لا غرابة في ألاّ يجد المرزوقي من يدافع عنه ضمن فيالق المستشارين الذّين ضمّهم إلى فريقه مثلما صرّح بذلك أحد مذيعي القنوات الأجنبيّة. و لا غرابة أن يتّم استقباله في باريس، تلك المدينة التّي قضّى بها العديد من سنوات الجمر، بشعارات يَندى لها التّاريخ. و من الطّبيعي جدّا أن يكون المرزوقي موضوع الاستهزاء الرّئيسي لعامّة الشّعب التّونسي و محلّ نقد النّخبة منه و هدفا بارزا للتّطاول و التّهجّم و التّهكّم.
ما يمكن أن يكون محلّ استغراب هو قدرته على تحمّل كلّ هذا. صراع السّاسة و الرّعيّة حافل بشتّى أنواع العداوات و كافّة أشكال المعارضة و المقاومة و لم يكن أي رئيس في أيّ مكان في العالم محلّ إجماع من طرف الجميع و عديدهم فقد أبسط مستويات الشّعبيّة. لكن، قلّة هم الرّؤساء الذّين كانوا، إضافة إلى استهدافهم بالنّقد، محلّ سخرية الجميع. فالشّعوب يمكن لها أن تنقد رؤساءها أو أن تعارضها أو حتّى أن تكرهها و تعزلها، لكن نادرا ما يُجمع السّواد الأعظم من الشّعب و نخبته على التّهجّم على صورة رئيسه و جعله أفكَه مواضيع التّهكّم.
ما يشدّ الانتباه هو أن المرزوقي كان، إلى حدّ غير بعيد، محلّ احترام و تقدير الجميع حتّى ممن لم يكن متّفقا معه . و لم تلتصق به صورة “الطّرطور” إلاّ بعد تسميته رئيسا للجمهوريّة. والأكثر عمقا في هذا الجانب، هو أنّ هذه الصّورة نشأت بشكل تصاعدي ثابت و ترسّخت الآن كبديهيّة لن يمكن زحزحتها. قد يعود ذلك إلى افتقار المرزوقي لشخصيّة كاريزماتيّة قادرة، على الأقلّ، على الاقناع بآدائها و عجزه عن ضبط استراتيجيّة في التّواصل مع الجماهير فنراه مرّة يُطلق سراح العصافير و مرّة يلقي الورود في البحر و نسمعه ساعة يحدّثنا عن “الصبّاط” و أخرى عن الملابس الدّاخليّة. هذه الأسباب و مثيلاتها على أهميّتها و قدرتها على الحطّ من صورة رئيس الجمهوريّة و صفته لا يمكن تجاهلها و لكنّها ليست الوحيدة.
كان لبن علي، و كذلك بورقيبة، نصيب وافر من النّكت و النّوادر التّي ترويها العامّة و الخاصّة سرّا و جهرا فتروّح بها عن نفسها من سجن الحزب الواحد و ديكتاتوريّة البوليس. كان ذلك شكلا من أشكال التّنفيس : تدنيسا للمقدّس و محاولةً لردّ الصّفعة و استعادةً عبر التّخييل لمجال المُصادر. لم يكونا الوحيدين، بل كانا في زمرة المضحوك عليهم من زعماء الدّكتاتوريات العربيّة من أمثال الأسد و مبارك و القذّافي و الحسن الثّاني و غيرهم. حينها كان الضّحك شكلا شعبيّا من أشكال المقاومة و كانت النّكتة، تماما كالفكرة، مُحاصرةً و مُحرّمة تُروى و تُسمع خِلسةً.
أمّا مع المرزوقي فيختلف الأمر. فالتّطاول على هيبته الرّئاسيّة ليس تنفيسا و ليس تخييلا و ليس تمرّدا على صورة القائد المقدّسة و لا يمكن أن يكون محاولة لاستعادة المُصادر. إنّه موقف واعٍ لا يلجأ إلى الاستعانة بالخيال لاختلاق قصّة تكون قوام النّكتة مثلما كان الأمر مع زمرة المضحوك عليهم، بل إنّه يكتفي بمحاكاة الأحداث و سرد الوقائع دون ابتداعها و من ثمّة، التّفاعل معها ضحكا وحزنا و ثلبا. فافتقار المرزوقي للشّخصيّة الكارزماتيّة القادرة على الاقناع بجدارتها بكرسيّ الرّئاسة لم يكن كافيا لوصفه بالطّرطور لو لم يكن لا حول له و لا قوّة أمام أولياء نعمته من حزب النّهضة.
فهذه الصّفة التّي ابتدعها الوعي الجمعيّ لم يكن الغرض منها توصيف شخصه و إنّما تقييم آدائه السّياسي و وظيفته الرّئاسيّة. فشله في المهمّتين و عجزه عن تمرير صورة تليق بما يريد لنفسه أن يكون، عمّق فيه الاحساس بالعزلة و جعل منه رئيسا مهزوزا غير قادر على التّموقع فراح يهدّد البعض بالمشانق و يتشفّى من قتل البعض الآخر (شكري بالعيد تحديدا) و يقدّم أبناء شعبه قربانا متوعّدا بملاحقتهم إرضاء لشيخ قطر.
هنا، يتجاوز المرزوقي صفاته “الطّرطوريّة” و يشارف تخوم الخيانة. إنّها رقصة النّار. ليست تلك النّار التّي آثرتها علّيسة على العار فهو أثبت أنّه يفتقد الشّجاعة الكافية لها، بل هي نار ستحوّل استهزاء و استخفاف الجميع به من تطاول إلى عداوة و حقد و ضغينة.
حذار أيّها الطّرطور !
أنيس منصوري: جامعي تونسي مقيم بباريس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق